كيف تعمل نظم الويب الثالث (Web3) على تحويل اللعب إلى تجربة ترفيهية أكثر تفاعلية
تطوّر قطاع الألعاب كثيراً منذ إطلاق شركة أتاري (Atari) ماكينة ألعاب Pong الكلاسيكية خلال السبعينيات، فهنالك اليوم أكثر من 3.2 مليار لاعب نشطٍ حول العالم يمارس أغلبهم هذه الهواية في منازلهم، ويشهد قطاع الألعاب حالياً تطوراً مثيراً بالاستفادة من التقنيات الحديثة واستخدامها ضمنه، وبالأخص نظم الويب الثالث (Web3). وبحسب شركة تحليلات البلوكتشين DApp Radar، تشغل ألعاب الويب الثالث النصيب الأكبر من النشاط على البلوكتشين منذ موجة الإقبال على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) عام 2021 أثناء مرحلة الهوس بالعالم الافتراضيّ (الميتافيرس).
بالطبع، لا توجد مقارنةٌ بين نشاط الأنظمة التقنية للتمويل القائم على الألعاب ضمن الويب الثالث وما تستطيع ألعاب الويب الثاني تحقيقه كلعبة فورتنايت (Fortnite) التي تحظى بأكثر من 600 مليون مستخدم مُسجّلٍ وحوالي 230 لاعباً نشطاً شهرياً، ويمكن لهذه الحالة أن تتغير قريباً، خاصّةً بعد ظهور ألعابٍ اجتماعيةٍ جماعيةٍ متطوّرة على الويب الثالث كلعبة My Pet Hooligan.
تخيلوا عالماً يمكنكم فيه امتلاك مقتنياتٍ رقميةٍ والربح منها والاستمتاع بتجارب اجتماعيةٍ غامرة وتشكيل أنماط لعب مستوحاة من إبداعاتكم الخاصة، إذ إنه مستقبل الألعاب الموعود على الويب الثالث؛ حيث يمكن للاعبين الاستمتاع باللعب والكسب بذات الوقت، إضافةً للمساعدة في رسم معالم العوالم التي يقومون باستكشافها.
مفهومٌ قيد التطوّر
بدأت رحلة ألعاب الويب الثالث مع Huntercoin عام 2014 في اختبارٍ لقدرة البلوكتشين على التعامل مع الألعاب، ليتبيّن أن هذه التقنية اللامركزية يمكنها دعم الألعاب لكنّها تفتقر للشعبية المطلوبة. لاحقاً، شهد عام 2017 إطلاق لعبة CryptoKitties على بلوكتشين إيثيريوم (Ethereum) ومعها آلية اللعب من أجل الكسب (P2E)، والتي سمحت للاعبين بتربية حيواناتٍ أليفةٍ رقمية وتداولها ضمن متاجر الرموز غير القابلة للاستبدال، في استعراض لقدرات البلوكتشين المتزايدة على تشغيل الألعاب.
ومنذ ذلك الحين -خاصّةً منذ عام 2021- بدأت شعبية اللعب على البلوكتشين بالتصاعد، وقد أبدى اللاعبون التقليديون ومستثمرو الكريبتو والناشرون خلال ذلك العام اهتماماً كبيراً بنظم الميتافيرس والـ NFTs. حالياً، تخوض 72.5% من شركات الألعاب الكبرى مغامَرتها في مجال الويب الثالث، ومن بينها Ubisoft وKonami اللتين بدأتا بالفعل بتطوير ألعاب على البلوكتشين.
وهنا يبرز السؤال الكبير التالي: كيف يمكن لنظم الويب الثالث تحويل اللعب إلى تجربةٍ ترفيهيةٍ أكثر تفاعلية؟
تجربة اللعب من أجل الكسب (P2E)
أعادت آلية اللعب من أجل الكسب تشكيل ملامح الألعاب ونقلتها من الأنظمة التقنية مجانية اللعب (F2P) إلى نظام تفاعليّ قائم على كسب المكافآت، حيث ارتفعت شعبية لعبة Axie Infinity (إحدى أشهر ألعاب قطاع NFTs خلال موجة ارتفاعات 2021) في الفليبين في مهدها بفضل نظام الحوافز المثير الخاص بها، وقد استمتع بعض اللاعبين بمكاسب بلغت 400$ شهرياً عن طريق اللعب وحده.
كما ظهر العديد من ألعاب الورق وفق آلية اللعب من أجل الكسب كلعبة Splinterlands التي تصدّرت العناوين بصفتها لعبة بطاقات NFT رائدة. وبرغم تراجع شعبية الكثير من ألعاب NFT التي برزت عام 2021، غير أنّ فكرتها بقيت موجودةً مع ظهور إصداراتٍ جديدة مثل Pixels وWorld of Dypians اللتين تتمعان بـ 700,000 و457,000 عنوان نشطٍ فريد (UAW) على التوالي.
وقد تحدّث المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لشركة Animoca Brands يات سيو (Yat Siu) في إحدى المقابلات قائلاً: “تمنح تقنية الويب الثالث اللاعبين ملكيةً حقيقيةً لإنجازاتهم وأصولهم ضمن اللعبة وتسمح لهم بتداولها والاستفادة منها مالياً ضمن نظام تقنيّ لامركزي”.
التفاعل الاجتماعي والمحتوى المُنشأ من قبل المستخدمين (UGC)
تواصل ألعاب الويب الثالث دفع حدود التفاعل الاجتماعي والمحتوى الذي ينشِئُه المستخدمون إلى مستوًى جديد كلياً، وفي مقدّمتها عوالم الميتافيرس من أمثال Decentraland وThe Sandbox، والتي تمنح اللاعبين والعاملين في مجال الترفيه فرصةً لامتلاك وبناء واستضافة فعّاليات ضمن ساحاتٍ افتراضية، حتى أن بعض مشاهير هوليوود من أمثال باريس هيلتون (Paris Hilton) وسنوب دوغ (Snoop Dogg) بدأوا بالانخراط في هذا المجال والاستثمار في الميتافيرس بفضل إمكاناته المثيرة لاستضافة أحداثٍ وتجارب افتراضيةٍ ممتعة.
كما بدأت ألعاب الويب الثالث من الجيل الجديد -كلعبة My Pet Hooligan (MPH)- بالاستفادة من تقنيات التتابع الحركي والذكاء الاصطناعي الخاصّة بها لتعزيز إنشاء المحتوى من قِبَل المستخدمين (UGC) والتفاعل بين الشخصيات ضمن اللعبة، وتشمل بعضُ تجارب الألعاب الاجتماعية -التي تظهر ضمن لعبة MPH الاجتماعية في Hooliland City- نزالاتٍ للشخصيات فيما بينها وتدميراً لبعض الأشياء وممارسة أنشطة التزلج الاحترافي والرسم على المباني (graffiti) أو مجرّد التجوّل مع الأصدقاء.
وقد شكّل ظهور ألعاب تفاعليةٍ كهذه على Web3 تحسّناً كبيراً مقارنةً بإصداراتٍ سابقةٍ فشل معظمها.
الحوكمة اللامركزية
تضع أنظمة ألعاب الويب الثاني (Web2) السلطة بيد جهاتٍ مركزيةٍ بدلاً من المستخدمين، ما يعني أن منتجي الألعاب يتمتعون باستقلالية التحكم عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسةٍ كالتطوير أو تخصيص الإيرادات أو الإدارة البسيطة للموارد المتاحة لدعم الاستمرارية.
ولكنّ الأمر مختلفٌ بالنظر إلى البنية التحتية لألعاب الويب الثالث؛ فبالإضافة إلى توفير طرق لعبٍ تفاعلية، يُراعى الالتزام بالحوكمة اللامركزية في تصميم الابتكارات ضمن هذا المجال، حيث تمتلك ألعاب NFT كلعبتي Axie Infinity وGala وThe Sandbox عملات حوكمةٍ خاصّةً بها تسمح لمالكيها بالمشاركة في تطوير النظام التقني عبر التصويت على المقترحات، وهو ما يمكنه تغيير قواعد اللعبة نظراً لوجود سوابق تصرّف فيها منتجو الألعاب لصالح المساهمين بدلاً من وضع مصلحة مُستخدميها (اللاعبين) في المقام الأول.
الخلاصة
استغرق عالم الألعاب التقليدي حوالي أربعين عاماً للوصول إلى صورته الحالية، وتتبَع ألعاب الويب الثالث (Web3) نهج تطوّر مُشابه، وها نحن ندخل عصراً جديداً تسير فيه عملية التغيير بمشاركة المتحمّسين للكريبتو إلى جانب الشركات الرائدة في القطاع.
وقد أصبح هذا التغيير واضحاً بالنظر إلى الاهتمام الهائل بألعاب Web3 من ناحية التمويل والشراكات بين مطوّري أنظمة الكريبتو والجهات الناشطة خارج القطاع، بما في ذلك قطاع الترفيه الذي يلعب دوراً مهماً في تهيئة البنية التحتية للتجارب الغامرة، فالأمر لم يَعُد متعلقاً بالألعاب فقط، وإنما بإضفاء طابع الترفيه والألعاب على تجارب الحياة الواقعية!
لمتابعتنا عبر Google News اضغط هنا