لماذا يملك البيتكوين قيمة
بيتكوين (Bitcoin-BTC) هي عملة رقمية لا مركزية تم تصميمها كنظام مالي عالمي يُمكنه العمل دون إشراف سلطةٍ مركزية كالحكومات أو المؤسسات أو الشركات أو الهيئات التنظيمية، وتم إطلاقها في عام 2009 على يد كيانٍ مجهول الهوية كأول استخدام لتقنية البلوكتشين التي تمثل البنية التحتية المسؤولة عن ضمان الطبيعة اللامركزية للعملة. ويبقى السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة في ظل غياب سلطة حاكمة تقليدية أو أصول مادية تدعمها؟ يكمن الجواب في تداخل مزايا البلوكتشين مع الثقة الراسخة التي يمنحها لها مجتمعها.
لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ تتضمن الإجابة عن هذا السؤال عوامل رئيسية منها:
- المعروض المحدود: تمت برمجة بيتكوين كي تتمتع بالندرة، إذ يقتصر معروضُها الكلّي على 21 مليون عملة فقط.
- التقنية الأساسية: تضمَن تقنية البلوكتشين أمان العملة واستحالة التلاعب ببياناتها بما يمنع الإنفاق المزدوج والتلاعب بالمعاملات.
- التصميم اللامركزي: بخلاف ما قد يتصوّره البعض، تكتسب بيتكوين الثقة من خلال العمل في بيئةٍ “لا تتطلب ثقة”، أي لا توجد جهةٌ واحدة تتحكم بها، بل تقوم شبكة لامركزية من أجهزة الحواسيب المنتشرة في جميع أنحاء العالم بإدارة المُعاملات بشكلٍ جماعي.
- الاستخدام الوظيفي: تُستخدم بيتكوين كوسيلةٍ للتبادل وكمخزن القيمة، ما يدعم تبنيها.
دعونا نمعن النظر في الأسباب التي جعلتنا نصل إلى دفع هذا المبلغ المالي الضخم لشراء بيتكوين.
مفهوم القيمة في النقود
تستمد العملات قيمتها من ثقة الناس بها وقبولهم لها كوسيلةٍ للتبادل؛ فعلى مرّ العصور، سَاعد استخدام العملات المختلفة في الانتقال من نظام المقايضة البدائي -حين تبادل الناس السلع مباشرةً كالقمح مقابل اللحم- إلى أنماط التبادل الأكثر تطوراً. ويُدرج الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ست صفات أساسية ينبغي توافرها في النقود: الندرة وسهولة الحمل والمتانة وقابلية التقسيم والقبول العام والتجانس (أو قابلية الاستبدال). كما سنرى، تفي بيتكوين بجميع هذه المعايير.
لكنْ لا بدَّ أن نقرَّ أولاً بأن الثقة والقبول هما الركيزتان الأساسيتان اللتان تمنحان العملة قيمتها وتضمنان الطلب عليها. فبكل بساطةٍ، يُمكن لأي شيء أن يتحوَّل إلى عملةٍ ما دام المُجتمع يتبناه ويثق به.
السلع بوصفها وسيلة للتبادل
هل تعلمون بأن كلمة راتب (Salary) تعود في أصلها على الأرجح إلى الكلمة اللاتينية التي تعني الملح (Salt)، إذ كان جنود الإمبراطورية الرومانية يتلقون الـ “salarium”، وهو شكل من أشكال العملة كانت تستخدم لشراء الملح، وقد مثّل الملح في غرب أفريقيا عملة متداولة وكان يُستبدل غالباً بالذهب.
ومن بين السلع الأخرى التي تم استخدامها كوسائل للتبادل: القهوة والأرز والتبغ، إلا أن استخدام هذه السلع كان محدوداً على النطاق المحلي نظراً لقابليته للتلف. ومن هنا برز الذهب والفضة كخيارين أكثر ملاءمة بفضل ندرتهما ومتانتهما، فتم استخدامهما في التجارة الدولية، ومنها إلى التجارة العالمية حتى العصور الحديثة.
التحوّل إلى العملات التقليدية
ظهرت النقود التقليدية بدايةً كسندات دين (IOU) مقابل ودائع الذهب أو الفضة، وبعض هذه السندات لم تكن ورقية أصلاً، بل كانت مصنوعة من الخشب مثل عصيّ العَد التي كانت تُصدِرها الخزانة الملكية البريطانية منذ القرن الثاني عشر.
وبمرور الوقت، تحولت العملات الورقية كي تصبح المعيار العالمي في تبادل القيمة نظراً لسهولة نقلها ومرونتها، إلا أن النظام المالي العالمي تخلّى عن قاعدة الذهب الخاصة بهذه العملات منذ نحو 50 عاماً لتُصبح العملات التقليدية مدعومة فقط عن طريق الثقة بالجهة الحكومية المُصدِرَة؛ وفي ظل غياب غطاء الذهب شرَعت الحكومات تدريجياً بتوسيع المعروض النقدي هادفة إلى تحفيز النمو الاقتصادي. وفيما يلي نبين القيمة الإجمالية للأوراق النقدية وودائع الدولار الأمريكي السائلة خلال السبعين عاماً الماضية:
فتلك الزيادة تعكس تدخل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لدعم الاقتصاد أثناء فترات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا، غير أن التضخم الناتج عنه أدى إلى تآكل القوة الشرائية للعملات التقليدية، وجعل الادخار على المدى الطويل أقل فعالية، ما يقدم لنا إجابة عن السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟
- تتميز بندرتها المُبرمجة، ما يجعلها أكثر ندرةً من الذهب ذاته.
- تتمتع بسهولة نقلها واستخدامها على غرار العملات التقليدية.
وبما أنها تجمع بين أبرز خصائص الذهب والعملات التقليدية، فإنها مرشحة لتشكيل معيار جديد للنقود.
ندرة بيتكوين ومعروضها المحدود
تتحدّد قيمة الأصل وفقاً لعلاقة العرض والطلب؛ إذ يؤدي انخفاض المعروض مع ارتفاع الطلب إلى رفع السعر. وتُعَد بيتكوين أصلاً انكماشياً تمت برمجته ليتمتع بمعروض أقصى يبلغ 21 مليون عملة، علماً أن معروضها المتداول يبلغ حالياً 19.83 مليون عملة، على أن يُستكمل إصدار الكمية المتبقية بحلول عام 2140، وذلك وفقاً للخوارزمية التي تُنظّم عملية إصدار العملات الجديدة، ويتم منح عملات بيتكوين الجديدة كمكافآتٍ للمُعدّنين الذين يستخدمون قدراتهم الحاسوبية لمعالجة البيانات وإنشاء كتل معاملات جديدة.
فعند إطلاق بيتكوين أوائل عام 2009، تم تحديد حجم مكافأة الكتلة عند 50 BTC. ولضمان وجود تأثير انكماشي طويل الأجل، يتم خفض المكافأة بمقدار النصف بعد كل 210,000 كتلةٍ، وتسمى هذه العملية بـ التنصيف (Halving). وبما أن بلوكتشين بيتكوين تُنتج كتلة جديدةً كل 10 دقائق، تجري أحداث التنصيف كل ثلاث إلى أربع سنواتٍ تقريباً. ويُمكن القول إن مالكي بيتكوين يترقبون هذه اللحظة بأهميةٍ تفوق ترقّبهم لدورة الألعاب الأولمبية.
ومع كل تنصيفٍ ينخفض معدل تضخم بيتكوين (النسبة المئوية للعملات الجديدة التي يتم إصدارها خلال السنة)، ما يُعزز ندرتها بمرور الوقت، ويجيب على السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ وهنا، يُوضح الجدول التالي بيانات التنصيف السابقة ومعدل الانخفاض في التضخم.
تاريخ التنصيف | رقم الكتلة | مكافأة الكتلة | معدل التضخم بعد التنصيف | سعر BTC قبل التنصيف | سعر BTC بعد عام |
28 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 | 210,000 | 25 BTC | 12% | 12$ | 960$ |
9 تموز/يوليو 2016 | 420,000 | 12.5 BTC | 4.2% | 660$ | 2,800$ |
11 أيار/مايو 2020 | 630,000 | 6.25 BTC | 1.8% | 8,800$ | 54,000$ |
20 نيسان/ إبريل 2024 | 840,000 | 3.125 BTC | 0.83% | 63,500$ | غير معلوم بعد |
يوضح المخطط البياني التالي ارتفاع سعر بيتكوين بعد كل عملية تنصيف، حيث يتم تسجيل مستوياتٍ جديدة في غضون أشهر من حدوث التنصيف.
نموذج نسبة المخزون إلى المعروض الخاص ببيتكوين
في عام 2019، قدّم المستخدم PlanB عبر منصة X (تويتر سابقاً) نموذج المخزون إلى المعروض (S2F) الخاص ببيتكوين، مشيراً إلى أن قيمة هذه العملة تستند إلى ندرتها التي تُعتبر محورية عند تناول السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ وتُظهر نسبة S2F العلاقة بين المعروض من سلعةٍ ما ومعدل إنتاجها خلال فترة معينة، سواء كانت شهرية أو سنوية. وتُحدّد النسبة عدد السنوات اللازمة لإنتاج المعروض المتداول حالياً في حال استمرار وتيرة الإنتاج ذاتها، وكلما ازدادت ندرة السلعة ارتفعت نسبة S2F. يُذكر أن الذهب حافظ على أعلى نسبة S2F بين السلع على مدار الأربعين عاماً الماضية، بمعدلٍ يتراوح بين 50 و70 نقطة.
وفي عام 2024، تجاوزت نسبة S2F الخاصة ببيتكوين نظيرَتها للذهب، ما يجعلها حالياً أكثر ندرةً بثلاث مرات. ويُظهر الرسم البياني التالي علاقة طردية بين سعر بيتكوين ونسبة S2F، والتي ترتفع تدريجياً نتيجةً لتباطؤ الإنتاج بفعل التنصيف.
الاستخدامات الوظيفية والعملية لبيتكوين
تتخطّى قيمة بيتكوين نماذج التسعير لتستند إلى استخداماتها الوظيفية في الحياة الواقعية. ونعرض فيما يلي أبرز استخدامها التي تُعتبر أساسية في مناقشة السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟
- وسيلة تبادل: يُمكن استخدام بيتكوين كوسيلةٍ للتبادل، فقد تم تصميمها منذ البداية كنظام نقدي إلكتروني لا مركزي من النظير إلى النظير (P2P)، غيرَ أن تقلباتها السعرية العنيفة حدَّت من استخدامها كخيار عملي لعمليات الدفع اليومية.
- مخزن للقيمة: رغم عدم مثالية بيتكوين كوسيلة تبادل، إلا أنها اكتسبت مكانة قوية كمخزن للقيمة يُمكنه الحماية من التضخم والاضطرابات الاقتصادية. فندرة بيتكوين وقابليتها للنقل ومتانتها تجعلها أحد أفضل أصول حفظ القيمة، وغالباً ما يُشار إليها بـ “الذهب الرقمي”.
- اللامركزية والمعاملات الدولية: السمة الرئيسية لبيتكوين هي لامركزيتها التي تتيح إجراء المعاملات الدولية، وهذا يَجعلها مفيدةً في الاقتصادات ذات العملات غير المستقرة مثل دول جنوب الصحراء الأفريقية.
- العقود الذكية وحلول الطبقة الثانية: تزداد تطبيقات التمويل اللامركزي (DeFi) التي تستفيد من سيولة بيتكوين كي تخلق فرصاً جديدةً لمالكي BTC. وتعمل حلول الطبقة الثانية -مثل ستاكس (Stacks)- على إضافة خاصية العقود الذكية إلى بلوكتشين بيتكوين محدودة التوسع، بينما توفر حلول إعادة الرهن مثل بابيلون (Babylon) ولومبارد (Lombard) عوائد رهن وتجعل بيتكوين أكثر توافقاً مع تطبيقات التمويل اللامركزي.
الأمان وقوة الشبكة
تمثل بيتكوين أول تطبيق عملي لتقنية البلوكتشين في العالم الحقيقي، ولا تزال الأكثرَ أماناً بفضل خوارزمية إثبات العمل (PoW). وباعتبارها بلوكتشين عامة، يتم تسجيل كافة المعاملات اليومية بشكلٍ دائم وقابلٍ للاطلاع بما يضمن الشفافية ويعيق أي تلاعب.
وتتم إدارة السجل الموزع اللامركزي بشكلٍ جماعي من قبل المعدنين الذين ينفقون موارد حاسوبية للتنافس على مكافأة الكتلة التالية. فعقب إطلاق بيتكوين، لم تكن هناك منافسة فعلية بين المعدنين نظراً لعدم إدراك قيمتها، وكان بالإمكان تعدين بيتكوين عبر جهاز الحاسوب المحمول. فعلى سبيل المثال، قام جيمس هاولز (James Howells) بتعدين 8,000 بيتكوين ولكنّه فقد القرص الصلب الذي يحتوي على محفظته الرقمية.
أمّا اليوم، فقد زادت صعوبة تعدين الكتلة التالية بأكثر من 110 تريليون ضعفٍ نتيجة لتصاعد حدة المنافسة.
ونظراً لشدة المنافسة، فإن فرصة حدوث “هجوم الأغلبية (51%)” لاستغلال بيتكوين والتلاعب بمعاملاتها تظل ضئيلة للغاية، فهي شبكة عالمية مكونة من آلاف العُقد (أجهزة الحاسوب التي تحتفظ بسجل المعاملات) المُوزّعة عبر مختلف القارات. وتقوم هذه العقد بالتحقق من صحة المعاملات وتخزينها بصورةٍ متزامنة، ما يقلل احتمالية انهيار النظام نتيجة خلل في نقطة واحدة، وهذا يجعل الشبكة مقاومة بشكلٍ كبير لهجمات القرصنة التي تؤثر عادة على الأنظمة المركزية. فالأمانُ الذي لا يضاهى لهذه العملة الرقمية يقدم إجابة عن السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟
اللامركزية وعدم تطلب الثقة
ذكرنا سابقاً أن بيتكوين هي شبكة لامركزية تعمل بشكلٍ مستقلٍ عن الحكومات والبنوك أو أي أطرافٍ خارجية ولا تخضع لأي سلطةٍ مركزية، فقد تم ابتكار العملة كرد فعل احتجاجي على النظام المصرفي الذي تسبّب بالأزمة المالية عام 2008، حينها فقد أكثر من 10 مليون مواطن أمريكي منازلهم بسبب حجز الرهن العقاري، حين استغلّت المؤسسات المصرفية ثقة الجمهور في مشتقاتها المدعومة بالرهون العقارية ذات الجودة المتدنية. ولتفادي تكرار مثل هذه الأزمات، تم تصميم بيتكوين كنظام لا يتطلب الثقة بأي وسيطٍ، وبخلاف البنوك أو وكالات التصنيف الائتماني، فهيَ توفر أكثر الأنظمة المالية شفافية حتى الآن.
من جانبهم، يعتمد مالكو BTC على الكود البرمجي بدلاً من المؤسسات المالية، وهنا لا حاجة للثقة بأطرافٍ خارجية، فهم واثقون بأن النظام لن ينهار كما حدث مع بعض البنوك “الأكبر من أن تفشل”، ولن يتم خداع المستخدمين كما فعل بهم بعض المسؤولين التنفيذيين في البنوك. فبوصفها نظاماً لامركزياً لا يتطلب الثقة، تتميز بيتكوين بمقاومتها للرقابة حتى في الدول التي تمنع استخدامها.
من الناحية التقنية، يمكن لأي شخص متصلٍ بالإنترنت إنشاء عنوان محفظة بيتكوين وامتلاك العملة حتى في المناطق الخاضعة لقيود، وعندما يتم حفظ العملة في محفظة غير وصائية، لا يُمكن لأي حكومةٍ مصادرتها أو تجميدها.
وبفضل مقاومتها للرقابة، يلجأ العديد من الأفراد في المناطق التي تخضع لقيود مالية وضوابط على رؤوس الأموال إلى استخدام بيتكوين لتحويل القيمة، حيث سجلت العملة معدلات تبنٍ مرتفعة في دولٍ أفريقية مثل نيجيريا التي تفرض قيوداً على العملات الأجنبية.
تبني السوق لبيتكوين وسيولتها
لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ حسناً، مع محدودية معروض بيتكوين وإمكانية توقعه، تمثل قوى الطلب المحرك الرئيسي لارتفاع سعرها، حيث يزداد تبنيها بوتيرةٍ متسارعةٍ سواءً على مستوى الأفراد أو المؤسسات، فقد كشفت دراسة حديثة أن ملكية العملات الرقمية في الولايات المتحدة -التي تضم أكبر سوق للعملات الرقمية- قد تضاعفت تقريباً منذ عام 2021. فاليوم، يمتلك ما يقارب 28% من البالغين الأميركيين -نحو 65 مليون شخص- عملات رقمية، وتندرج بيتكوين في قائمة ممتلكات 75% منهم. ليس هذا فحسب، بل إن 14% من غير المالكين يُخططون لشرائها خلال هذا العام، فيما ينوي ثلثا المالكين الحاليين زيادة ممتلكاتهم منها.
ولطالما عملت المؤسسات على تجميع بيتكوين على مدى سنوات، كما منحت موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على الصناديق المتداولة في البورصة لعملة بيتكوين (BTC ETFs) في يناير 2024 فرصةً لجذب مزيد من الاستثمارات المؤسساتية من وول ستريت. وفي منتصف كانون الثاني/يناير 2025، بلغت القيمة الإجمالية لما تحتفظ به هذه الصناديق من بيتكوين مستوى قياسياً بلغ 126.1 مليار دولار.
وتواصل المزيد من الشركات إضافة بيتكوين إلى خزائنها، فقد بلغ إجمالي عملات بيتكوين المُحتفظ به من قبل الشركات والحكومات والصناديق والمؤسسات الأخرى مستوياتٍ غير مسبوقة.
وتُعد شركة Strategy -التي غيرت اسمها مؤخراً من MicroStrategy إلى هذا الاسم- الشركة العامة التي تملك أكبرَ حقيبة استثمارية من بيتكوين بواقع يزيد على 499,000 عملة حالياً.
ويزداد اندماج بيتكوين تدريجياً في الأسواق المالية التقليدية؛ فمثلاً أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آذار/مارس 2025 عن خططه لإنشاء احتياطي إستراتيجي يشمل بيتكوين وبعض العملات البديلة. ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الولايات الأميركية كانت قد بادرت بإطلاق دعواتٍ لتأسيس احتياطيات من بيتكوين قبل أن تتحرك الحكومة الفيدرالية للقيام بذلك. ومع اتساع تأثير BTC داخل النظام المالي العالمي، تواصل قيمتها الارتفاع مدفوعةً بنمو الطلب.
التحوط من التضخم وعوامل الاقتصاد الكلي
تفضل المؤسسات والأفراد ذوو الثروات العالية استخدام بيتكوين للتحوط من التضخم، فقد تراجعت قيمة الدولار الأمريكي والعملات التقليدية الأخرى عبر السنوات بسبب سياسة توفير السيولة التي انتهجتها البنوك المركزية. وكما ذكرنا سابقاً، غُمِرَت الأسواق بالعملات التقليدية في محاولةٍ للتخفيف من آثار الإغلاقات التي سببتها جائحة كورونا.
وفق ذلك، أصبح التضخم سمة مميزةً للاقتصاد الحديث، ونجم ذلك -إلى حدٍ كبير- عن تأثير النظريات الكينزية (Keynesian theories) التي ترى في ضخ السيولة وسيلةً فعالة لتحفيز الطلب ودفع عجلة الاقتصاد؛ وقد بدأت الولايات المتحدة بتطبيق هذا النموذج أول مرة لمواجهة الكساد الكبير في عام 1929.
ويستهدف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدل تضخم سنوياً بنسبة 2%، غير أنه تجاوز 9% في حزيران/يونيو 2022 مسجلاً أعلى مستوى له خلال أكثر من أربعة عقود. وقد قادت المخاوف المتزايدة من الأزمات الاقتصادية والسياسات النقدية الضارة بالكثير من المستثمرين عملية اللجوء إلى بيتكوين باعتبارها ملاذاً آمناً يُوفر وسيلةً للتحوط من التضخم رغم تقلباتها السعرية الشديدة، ما يجيب عن السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟
وليس من قبيل الصدفة أن وصَل سعر بيتكوين إلى مستوى جديد في كانون الأول/ديسمبر 2024، يتبعه الذهبُ -وهو الأصل الأكثر شيوعاً كملاذ آمن- مُسجلاً مستوياتٍ سعرية جديدةً بعد عدة أسابيع. ويُمكنكم ملاحظة مدى الترابط الوثيق بين BTC والذهب منذ ارتفاع مؤشرات التضخم في 2022 (مع الإشارة إلى أن هذا المخطط لا يُقارن أداء العوائد).
كذلك، فقد تغلّبت كلٌّ من بيتكوين والذهب على التضخم طويل المدى، غير أن الأولى تتميز بسهولة النقل والوصول؛ فتخزين الذهب المادي يستلزم مزيداً من الجهد والتكلفة، في حين تكتفي بيتكوين بوجود محفظة كريبتو. وقد عملت المؤسسات على زيادة حجم استثماراتها في بيتكوين، لا سيّما لما تمثله من درعٍ فعال يحميهم من مخاطر الاقتصاد الكلي.
العوامل النفسية والاجتماعية
سبق وأن أشرنا إلى أن الثقة والقبول هما أهم العوامل التي تُحدد قيمة العملات؛ إذاً لمَ تملك البيتكوين قيمة كبيرةً اليوم؟ وهل ارتفعت درجة الثقة مقارنةً بالماضي؟ الجواب هو نعم، فظاهرة تأثير الشبكة تُعد من العوامل الحاسمة التي تدفع بقيمة BTC نحو الارتفاع، إذ إن المزيد والمزيد من الناس بدؤوا يدركون الأهمية المُحتملة لبيتكوين في حفظ ثرواتهم وأثرها على النظام المالي الأوسع.
وتعمل ظاهرة تأثير الشبكة على توسيع قاعدة مُستخدمي بيتكوين، ويترتب على تزايد الطلب ارتفاع أسعار هذه العملة الرقمية. ففي الأمَدَين القصير والمتوسط، تلعب التوقعات والتكهنات دوراً أساسياً في تقلبات سعر العملة أثناء سعيها لتحديد قيمتها الحقيقية. وفي هذا السياق، تستمد بيتكوين قيمتها من تغيرات سلوك المستثمرين الذي يتسم بالتقلب نتيجةً لطبيعة المشاعر الإنسانية غير المتوقعة.
من ناحيةٍ أخرى، نلاحظ النشاط الكبير لمجتمعات الكريبتو على الإنترنت، حيث تؤدي الأخبار الإيجابية ودعم الجهات الحكومية وتأييد المشاهير إلى زياداتٍ مؤقتةٍ في الطلب. فلو علمتم بقصة عائلةٍ باعت منزلها وممتلكاتها لشراء بيتكوين، ألن يُثير ذلك اهتمامكم؟ في المقابل، تؤدي الأخبار السلبية مثل الهجمات الإلكترونية على منصات التداول أو الإفلاس أو تشديد القوانين التنظيمية إلى موجات بيع واسعة النطاق.
وفي عصرنا الرقمي، تلعب الروايات الإعلامية واتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً في تضخيم تحركات سعر بيتكوين عبر تأثير الخوف من فقدان الفرصة (FOMO) والخوف وعدم اليقين والشك (FUD). وقد سَاهمت منصاتٌ مثل X (تويتر سابقاً) وريديت (Reddit) ويوتيوب (Youtube) في تأجيج دورات السوق الصاعدة والهابطة المتكررة لسعر العملة.
وبعيداً عن قدرتهم على تشكيلِ الروايات، يُمكن لكبار مالكي بيتكوين -والمعروفين بالحيتان- التأثير على اتجاهات السوق بضغطة زر، وتشمل هذه الكيانات أوائل المتبنّين والمؤسسات وصناديق التحوط وغيرهم من اللاعبين الرئيسيين الذين ينفذون صفقاتٍ ضخمة تؤثر على تحركات السوق.
مع ذلك، فإن سوق بيتكوين يمر بمرحلة نضج متقدمة، حيث تتحسن السيولة بشكلٍ ملحوظ مع ارتفاع معدلات التبني بين المؤسسات وصغار المستثمرين. ومع اندماج العملات الرقمية في الأسواق المالية التقليدية، من المتوقع أن يزداد استقرار السوق، فقد انخفضت تقلبات سعر بيتكوين تدريجياً منذ نشأتها، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع توسّع قاعدة مستخدميها.
الانتقادات الشائعة والحجج المضادة
رغم كل هذه المزايا الفريدة التي قدمناها للإجابة عن السؤال: لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ لا يزال البعض غير مقتنعين بإمكاناتها. ففي بداية عام 2025، أعاد جيمي ديمون (Jamie Dimon) -الرئيس التنفيذي لمؤسسة JPMorgan- انتقاد بيتكوين، زاعماً بأنها لا تملك قيمة جوهرية. وفي الحقيقة، لا تحمل العملات التقليدية نفسُها قيمةً جوهرية بحد ذاتها، لكنّ ذلك لم يمنع الناس من استخدامها كوحدة حساب.
أحد الانتقادات الأخرى المُوجهة إلى بيتكوين يتعلق بارتفاع درجة تقلباتها السعرية. ورغم صحة هذا، إلا أن مثل هذا السلوك متوقعٌ من فئة أصول جديدة مدفوعةٍ بالابتكار. ولعلَّ ما حدث خلال فقاعة الإنترنت أواخر التسعينات خير مثال على ذلك؛ فقد تطوّر القطاع التقني بعدها، وامتلكت شركات كبرى -مثل Google (Alphabet) وFacebook وAmazon- جزءاً أساسياً من الحقائب الاستثمارية.
لكن يبقى السؤال، ماذا لو أقدمت الحكومات مستقبلاً على حظر بيتكوين أو القضاء عليها تماماً؟ في الواقع، تتميز بيتكوين بكونها نظاماً لامركزياً وغير خاضع للرقابة، وبالتالي لا يمكن منعه كلياً ما لم يتم إيقاف الإنترنت نفسه.
الخلاصة
لماذا يملك البيتكوين قيمة؟ تُعزى الأسباب الرئيسية لارتفاع سعرها إلى ندرتها المُبرمَجة وأمانها القائم على تقنية البلوكتشين واستخداماتها الوظيفية وتأثير الشبكة. وتفي العملات الرقمية بجميع معايير وسيلة التبادل هذه، فهي نادرة وقابلةٌ للنقل ومتينة وقابلة للتقسيم والاستبدال ومقبولة عالمياً، كما أنها تعمل بالأساس كمخزن للقيمة نظراً لقدرتها على التحوط ضد التضخم. لذلك، تقوم شركات ودول مثل السلفادور بشراء بيتكوين ضمن احتياطياتها، فيما تدرس اقتصادات متقدمة مثل الولايات المتحدة دمجَها ضمن أنظمتها المالية.
فإذا كنتم تنوون الاستثمار في بيتكوين، فلا تُغفلوا عن دراسة خصائصها الفريدة وأفضل طرق الشراء والتخزين. ولدينا العديد من الأدلّة التي ستساعدكم على فهم كلِّ ما تحتاجون إليه. ولا تنسوا تجنّب الاستثمار بما لا يُمكنكم تحمّل خسارته.
الأسئلة الشائعة
ما الفرق بين بيتكوين والعملات التقليدية؟
ما الذي يعطي بيتكوين ندرتها؟
هل يُمكن أن تنهار قيمة بيتكوين حتى تلامس الصفر؟
كيف يرتبط سعر بيتكوين بالعرض والطلب؟
هل تعتمد قيمة بيتكوين على المضاربات فقط؟
ما هو الدور الذي يقوم به المعدنون في الحفاظ على قيمة بيتكوين؟
ما سبب التقلبات السعرية العالية لعملة بيتكوين رغم وجود قيمة حقيقية لها؟
ما الذي يحدث عند تعدين جميع معروض بيتكوين البالغ 21 مليون عملة؟
المراجع:
- A History Lost – The English Tally (GIMMS UK)
- USD M1 Supply (U.S. Fed)
- Halving Progress Chart (Bitbo)
- Stock to Flow Chart (Bitbo)
- BTC Mining Difficulty Chart (Blockchain.com)
- BTC ETF AUM Chart (Dune)
- BTC in Treasuries Chart (bitcointreasuries.net)
- Gold vs BTC Chart (TradingView)






