هل ستشهد الولايات المتحدة قريباً فقاعة جديدة بسبب الطرح العلني (IPO) لأسهم شركات قطاع الكريبتو في البورصة؟
بعد نجاح الطرح العام الأولي (IPO) لشركة Circle Internet Group (المُدرَجة في بورصة نيويورك بالرمز: CRCL)، بدأت عدة شركات كريبتو بالتلميح لسعيها إلى طرح أسهُمها للاكتتاب العام في بورصات الولايات المتحدة؛ ففي الخامس من حزيران/يونيو الجاري نجَحت شركة سيركل (Circle) -جهة إصدار عملة يو إس دي سي (USD Coin-USDC) المستقرة- بجمع تمويلٍ قيمته 1.1 مليار دولار خلال طرحها العام الأولي والتي فاقت التوقعات بكثير، ما جعل سهم CRCL يُسجّل ارتفاعاً قياسياً بنسبة 167% في أول يوم من تداوله، ليشهدَ من بعدِها سهمُ CRCL انطلاقة قوية بنسبةٍ تجاوزت 600%.
وبتاريخ 6 حزيران/يونيو، تقدمت جيميني (Gemini) -منصة تداول الكريبتو التي أسّسها التوأم كاميرون وتايلر وينكلفوس (Cameron and Tyler Winklevoss)- سراً بطلب إدراج في بورصات الولايات المتحدة، لتتبعها منصة Bullish بتقديم طلب لطرح عام أولي مماثلٍ بتاريخ 10 حزيران/يونيو.
وتُشير التقارير إلى أن منصات تداول كريبتو أخرى تشمل منصة OKX وشركة Payward Inc. -مالكة منصة كراكن (Kraken)- تعمل على توفيق أوضاعها استعداداً للتقدم بطلب طرح أسهمها في اكتتاب علني مُحتمل.
لماذا تزداد شعبية الطروحات العامة الأولية لشركات الكريبتو؟
تسبّب نجاح الطرح العام الأولي لأسهم شركة سيركل في البورصة بموجة رواج الطروحات الأولية لشركات الكريبتو في البورصة، غير أن هناك عوامل أخرى تدفع أيضاً بهذا الاتجاه.
فقد صرَّح جوردان جيفرسون (Jordan Jefferson) -الرئيس التنفيذي وأحد مؤسسي شركة DogeOS- لموقع Cryptonews بأن الساحة التنظيمية الأمريكية أصبحت أكثر ملاءمة لازدهار شركات الكريبتو، وأوضَح أنّ “الجهات التنظيمية وفّرت أخيراً وضوحاً لافتاً، عِوَضاً عن إجراءات إنفاذ القوانين والضبابية التنظيمية”.
فمثلاً، أشار جيفرسون إلى أن إعلان شركة سيركل عن طرحها العام الأولي تزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي قانون GENIUS الهادف إلى تنظيم العملات المستقرة، مؤكداً أن هذه تحديداً هي نوعية الوضوح التي انتظرتها شركات الكريبتو الأمريكية، وأوضح قائلاً: “عندما تصدر الجهات التنظيمية تعليماتٍ إرشادية واضحة لشركات الكريبتو، فإنها تتبعها بدلاً من تركها تتخبّط، ما يوفر الثقة اللازمة للتقدم بطلب للإدراج العلني في البورصة”.
كما أشارَ جيفرسون إلى أن نضج السوق لا يقلُّ أهميةً عن هذه القوانين، وأنّ الاهتمام المؤسسي بالأصول الرقمية أصبح جليّاً، حيث شرَعت مؤسسات التمويل التقليدية -كمصرف سيتيبانك (Citibank)- بدراسة إضافة العملات الرقمية إلى خدمات الحفظ الوصائي للأصول المدعومة، بينما يعتزم بنك جيه بي مورجان (JPMorgan) إتاحة استثمارات الكريبتو لعملائه عبر جهة مستقلةٍ للحفظ الوصائي.
وتحدّث جيفرسون عن ذلك قائلاً: “أخيراً، اقتحمت الاستثمارات المؤسسية أسواق الكريبتو بعد أن طال انتظار صناديق التقاعد وشركات إدارة الأصول الجادة للوضوح التنظيمي كي تبدأ التحرك”.
أي شركات الكريبتو ينبغي أن تخطط لطرح أسهمها في الاكتتاب العام؟
على الرغم من النمو الملحوظ الذي يشهده قطاع الكريبتو، لا يعني ذلك أنه ينبغي أن تعمل جميعُ الشركات المتخصّصة في تقنية البلوكتشين بطرح أسهمها للاكتتاب العام؛ فقد صرَّح آرون جاكوب (Aaron Jacob) -رئيس قسم حلول المحاسبة لدى Taxbit- لموقع Cryptonews بأن قرار شركة كريبتو معينةٍ بالسعي إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام يعتمد على مرحلة نموها ونوعية أنشطتها وأهدافها الإستراتيجية. وأوضح جاكوب قائلاً: “بالنسبة للشركات العريقة التي تتمتع بمواردَ متوقعةٍ للإيرادات والتزام قوي بمعايير الامتثال وطموحات التوسّع العالمي، فإنّ الطرح العام الأولي يُمكنه توفير طرق للحصول على التمويل، وترسيخ السمعة، وتحسين معايير الحوكمة”.
لذا، لم يكن مفاجئاً أن يُحقق الطرح العام الأولي لشركة سيركل (Circle) نجاحاً كهذا، فقد صرَّح جيريمي ألير (Jeremy Allaire) -الرئيس التنفيذي لشركة سيركل- في مقابلةٍ حديثة مع رويترز بأن “هناك قناعة راسخة لدينا منذ تأسيس الشركة بقدرتنا على إنشاء بنية تحتية جديدة كلياً قائمةٍ على الإنترنت لنظم التمويل، ويُمكنها تغيير أوجه الاستفادة من الأموال جذرياً”.
يُشار إلى أن القيمة السوقية لفئة العملات المستقرة تبلغ حالياً 252 مليار دولار، ومن المتوقع لها أن تشهد نمواً كبيراً بمرور الوقت، إذ يُظهر الطرح العام الأولي لشركة سيركل مقدارَ الطلب الكامن في الأسواق العامة على الأصول الرقمية.
مع ذلك، يَرى جاكوب أن الشركات الوليدة -أو تلك التي ما تزال في طور التجربة- قد تجد أن الأعباء التنظيمية ومتطلبات الإفصاح وضغوط الإفصاح عن الأرباح الفصلية على الأسواق العامة لا تتوافق مع نهجها الابتكاري. وقال: “يتوجّب على كل شركةٍ أن تقارن الفوائد طويلة الأجل للإدراج العام بمتطلبات الامتثال والالتزامات التشغيلية”.
فتبعاً لجيفرسون، لا تُعد متطلبات التقدم بطلب للطرح العام الأولي بسيطة على الإطلاق، وذكرَ -كمثال- أن طرح شركةٍ للاكتتاب العام يتطلب فريق امتثالٍ متخصص، وأنشطة تدقيق داخلية، وأعباءً تشغيلية مستمرةً ومتزايدةً وفقاً لحجم الشركة وتعقيدات أنشطتها.
وللإيضاح، أعلنت منصة تداول الكريبتو الأمريكية كوينبيس (Coinbase) عن نفقات خدماتٍ مهنية بلغت 58.2 مليون دولار للربع الأول من عام 2025 وحده، وهي فئة تشمل الاستشارات القانونية ومتطلبات الامتثال، ما يُعَد زيادةً بنسبة 35% على أساسٍ سنوي، ويعود -جزئياً- إلى تزايد الالتزامات التنظيمية الخاصة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
عن ذلك، قال جيفرسون: “بلغ إجمالي النفقات العامة والإدارية لشركة كوينبيس 394.3 مليون دولار للربع ذاته، ما يُبرز تزايد نفقات الامتثال بالتوازي مع التدقيق التنظيمي والتراخيص العالمية”.
وأضاف بأن هناك عاملاً هاماً آخر يجب مراعاته، وهو أن الأسواق العامة التقليدية تُقيّم شركات الكريبتو بطريقةٍ مختلفةٍ عن معايير القطاع، “فهيَ تستخدم أُطُر عملٍ ومقاييس مختلفة للمخاطر عمّا يألفه قطاع الكريبتو”.
الطروحات العلنية للأسهم (IPOs) مقارنةً باكتتابات العملات الجديدة (ICOs)
في ضوء ما تقدَّم، قد تحتاج شركات الكريبتو التي تفكر بإجراء طرح عام أولي (IPO) لأسهُمها إلى دراسة ما إذا كان إطلاق اكتتاب (ICO) لعملة جديدة خاصة بها سيكون أكثر ملاءمةً لأنشطتها؛ فبرغم شيوع اكتتابات الكريبتو الهائل عام 2017، فإن هناك عدداً من شركات الكريبتو ما يزال يُطبق نماذج جمع تمويلٍ كهذه.
لكنّ جيفرسون أشارَ إلى أن عوائد اكتتابات الكريبتو والطروحات العلنية لأسهم شركات الكريبتو تخدم أغراضاً مختلفة تماماً، ولا ينبغي اعتبارُها بدائلَ لبعضها البعض. وقال موضحاً: “الطرح العلني للأسهم يعني بيع أسهم فعليةٍ تمثل حصصاً في الشركة عبر أسواق عامةٍ منظَّمةٍ وخاضعةٍ لإشرافٍ تام من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، ما يفتح الباب لإمكانية تلقيها موارد تمويلٍ مؤسسية هائلةٍ، كاستثمارات صناديق التقاعد، وشركات إدارة الأصول، والمُستثمرين المتمرّسين الملمين بنماذج الأعمال التقليدية”.
وعلى الرغم من أن التكاليف المرتبطة بطلب طرح علني للأسهم تكون باهظة عموماً، يشير جيفرسون إلى أنها تسعى للاستفادة من موارد مؤسسيةٍ وفيرة يُمكنها إطلاق العنان لنموّها بشكلٍ مستدام.
على الجانب الآخر، يُركّز بيع العملات الجديدة خلال اكتتابها (ICO) بشكلٍ أكبرَ على تكوين حشد مجتمعي، كما تسعى شركة الكريبتو الناشئة من خلال هذه الطريقة إلى إطلاق عملة خاصةٍ بها ذات استخداماتٍ عملية تفيد مستخدميها، واختتم جيفرسون حديثه بالقول: “كلاهما طريق لجمع التمويل، لكنّ العملات الجديدة يجب أن تتمتع باستخداماتٍ وأوجه استفادة عمليةٍ تتجاوز مجرد السعي إلى جمع التمويل”.
هل تلوح فقاعة طروحات علنية جديدة في الأفق؟
إلى جانب اكتتابات الكريبتو الجديدة (ICOs)، بات من الواضح أن الولايات المتحدة تشهد طفرةً في نظيرتها لطروحات أسهم الشركات العاملة في قطاع الكريبتو، فليست منصات التداول الكبرى وحدَها هيَ من يسعى إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام، حيث أعلنت شركاتٌ أقلُّ حَجماً أيضاً عن خططٍ لإدراج أسهمها في البورصة.
فمثلاً، أعلنت شركة ProCap BTC -المملوكة لرجل الأعمال الداعم لعملة بيتكوين (Bitcoin) أنتوني بومبليانو (Anthony Pompliano)- الثلاثاء الماضي عن استحواذها على 3,724 عملة بيتكوين (BTC) مقابل 386 مليون دولار، وذلك بعد أيام قليلةٍ من الكشف عن خططٍ لطرح أسهمها للاكتتاب العام لاحقاً هذا العام.
ورغم أهمية هذا الحدث، إلا أن سيناريو الازدهار الفائق لطروحات أسهم شركات الكريبتو العامة ثم انحساره (كفقاعة شركات الإنترنت) قد يكون وارداً، فقد صرَّح بيتر كوزياكوف (Petr Kozyakov) -الرئيس التنفيذي وأحد مؤسسي شركة Mercuryo- لموقع Cryptonews بأن تاريخ القطاع الماليّ شهدَ فقاعاتٍ عديدةً، سواء في الأسواق التقليدية أو في قطاع الكريبتو.
وأضاف كوزياكوف: “غالباً ما تكون هذه الفقاعات الاستثمارية ناتجة عن انتشار التداولات المُضاربية الشديدة، ويرى البعض إمكانية تكرارها مع الطروحات العامة لأسهم شركات الكريبتو، خاصةً إذا تخطت الحماسة المتعلقة بالسهم ركائزَه الأساسية”.
وهوَ ما يتفق معه جاكوب الذي يَعتقد أن مشهد الاكتتابات العامة الأولية لشركات الكريبتو يُعد أكثر تنظيماً وانتقائيةً من طفرة اكتتابات العملات الرقمية، غير أن نجم قطاع الكريبتو -كحال أيّ قطاع آخر- ليس بمنأى عن دورات الرواج الفائق والاضمحلال في الأسواق المالية.
وقال: “مع ارتفاع التقييمات وتزايد حماسة المستثمرين، قد تُسارُع بعض الشركات إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام قبل أن تكون جاهزةً تشغيلياً أو مالياً، ما قد يؤدي إلى ضعف الأداء، أو الإضرار بسمعتها، أو انخفاض أسعار أسهمها عقب إدراجها في البورصة”.
مع ذلك، أشار جاكوب إلى أنه بخلاف اكتتابات الكريبتو (ICOs) -التي غالباً ما تفتقر إلى حماية المستثمرين والرقابة الواضحة- تتطلب الطروحات الأولية للأسهم (IPOs) إفصاحاتٍ متكررةً، ومراجعاتٍ للبيانات المالية، وتدقيقاً تنظيمياً، وهوَ ما يساعد على استبعاد الشركات الأضعف.
وتابع: “إذا أدَّت موجة الطروحات الأولية لأسهم شركات الكريبتو إلى مضارباتٍ مدفوعةٍ بالإثارة وعمليات إدراج مبالغ في قيمتها، فقد نشهد تصحيحاً لاحقاً”، واختتم بقوله: “يتمثّل الفارق الرئيسي هنا بوجود المؤسسات الاستثمارية، ومعايير الامتثال الأكثرَ صرامةً، والشركات الأكثر نُضجاً، وهي عوامل قد تُخفف مجتمعةً من مخاطر المرور بفقاعاتٍ سعرية، لكنّها لا تلغي إمكانية وقوعها تماماً”.






